أخنشة وسائل الإعلام بالمغرب
يعتبر امتلاك وسائل الإعلام قوة كبيرة يسعى المال والنفوذ بسط سيطرته عليها ، لذلك تجد أن رجال المال والسياسة والفاسدين يعملون على امتلاكها وتوظيفها في حروبهم، أو لاتقاء شرها ماداموا عرضة لانتقادها أو لأنها قادرة على رصد خروقاتهم .
ولعل هذا الأمر ظهر بشكل جلي أثناء انهيار الإتحاد السوفياتي بأوروبا الشرقية، حيث ظهرت طبقة أقلية حاكمة (اوليكارشية) جديدة، استغلت خصخصة الدولة لممتلكاتها، لتشتري أصول وسائل إعلام مقابل ثمن زهيد .
هذا النهج الذي أدى لظاهرة "برلسكنة" وسائل الإعلام- نسبة إلــى ســيلفيو بيرلســكوني رئيــس وزراء إيطاليــا الســابق واحتكاراتــه لوسـائل الإعـلام بمـا فـي ذلـك الاحتـكارات الخاصـة بصناعـة الإعـلام المرئـي والمسـموع. ومـن ثـم، أفضـى ذلــك إلــى زواج قــوى ( بعضــه ظاهــر والبعــض ا́لأخــر مخفــي) بيــن مصالــح القطــاع الخــاص وبيــن ملكيــة وسائل الإعلام ، بالإضافة للتحزب الفاضح داخل وسائل الإعلام، والحد من استقلالية الصحافة ونزاهتها .
مثال "ال برلسكنة " في إسقاطه عل واقع الصحافة و الإعلام بالمغرب يمكن أن نطلق عليه " أخنشة " وسائل الإعلام ، نسبة إلى وزير الفلاحة بالمغرب والأمين العام لحزب الأحرار أحد أغنى أثرياء المغرب ، الذي أصبح يمتلك مجموعة من الشركات الإعلامية ، كما لم تعد مجموعة من الصحف قادرة على انتقاذه او الإستقصاء حول مشاريعه وأنشطته ، بل حتى التطرق له في وسائل الإعلامية كسياسي أصبح محظورا ؛ كما وقع للمحلل السياسي عمر الشرقاوي حين انتقد تماديه في البلوكاج الحكومي ما ترتب عنه منعه من الظهور ثانية على القناة التي كانت تستضيفه .
وأستحضر هنا تجربة لي في كتابة مقالات عن الشأن العام ، حين طلبت من صحافية نشر مقال لي حول دورة أحد المجالس المنتخبة ، لتعتذر لي بكل أسف عن رفض النشر ، نظرا لأنني أشرت إلى أحد افراد حزب أخنوش الذي تعد الجريدة في ملكية أحد رجال الأعمال المنتمين لحزبه .
يظهر جليا لمتتبعي الإعلام المغربي أن أخطبوط المال أصبح يستحود على الصحافة ويقيد استقلاليتها ، لتصبح الصحافة التي تلعب دور الإزعاج وكشف الحقائق ، وسيلة لتزييف الواقع ودر الرماد في العيون ، خدمة لأهداف سياسية واقتصادية ، والأسوأ هو إقبار الصحافة الإستقصائية التي كانت دوما تكشف المستور .
كما يتحدث الجامعي بشغف وحسرة على تجربته في التأسيس لصحافة مستقلة بالمغرب ، وهو الصحافي الإستقصائي الذي يرى أن سبب إغلاق جرائده تحقيقات حول الإمبراطوريات الإقتصادية التي تحكم المغرب وعدم قبوله أي أموال تخدم أجندات معينة ،كما يعتبر نفسه غامر بأمواله في هذا الميدان الذي كلفه كثيرا وخسر كل ما يملك في هذه التجربة ، لأن الصحافة بالمغرب لا يراد لها أن تكون حرة مستقلة ، ولا يمكن أن تحافظ على استقلاليتها في الظروف الراهنة، ويسمح للصحفي عمل كل شيئ إلا مهنته الحقيقية . لذلك فتجربة الجامعي وصحف أخرى كانت كفيلة بأن تبين أن الصحافة الحرة بالمغرب لا يمكن أن تنافس لوبيات المال والسياسة ، لأنهم لن يقبلوا بمن يسلط الضوء على الفساد المالي والمسار الديموقراطي ، لذلك نجد صحافيين مغضوب عليهم ، وأخرون راكموا ثروات من صداقات رجال الأعمال والسياسيين ، وبعضهم جرته تحقيقاته واستقلاليته للمتابعات القضائية ، في ظل عصر برلسكنة أو "أخنشة" وسائل الإعلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق